والمكره على شتم محمد صلىاللهعليهوسلم يقصد قصد محمد آخر يصوره في وهمه ونحو ذلك ، فهو على ما قال : (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) [الأنبياء : ٦٣] على جعل (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) شرطا في نفسه في قوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) ، والله أعلم.
وقيل (١) في الاستدراج من غير هذا الوجه ، على التسليم أنهم أهل كهانة ونجوم ، وهو أنه لما رآهم يعبدون الأصنام والأوثان ، دعاهم من طريق المقابلة ؛ إذ هم مالوا إلى ذلك بما رأوا من حسن ذلك في البصر ، بما قد زين بأنواع الزينة وحلي بأنواع الحلي ، فأراهم أنه يعبد النجم وما ذكر ، وأن الذي ذكر أحسن وأعظم نورا وضياء ؛ إذ هو بجوهره ونفسه كذلك ، وما كانوا يعبدون بما فعلوا به وجعلوه كذلك ؛ ليكره إليهم عبادتهم الأصنام ، ويستنقذهم عما اعتادوه بالمعنى الذي ذكرت ، ثم ألزمهم فساد ما مالوا إليه وقبلوا منه ، قبل أن يقر ذلك في قلوبهم وتطمئن إلى ذلك أنفسهم ، بما أظهر من فساد أن يكون الذي بذلك الوصف من التسخير أو ملكه على شرف الزوال ، أو يصير بحيث يقر في قلوبهم عبادة من لا يشهدونه وقت العبادة ؛ فيلزمهم على ذلك عبادة المستحق لها.
أو أن يقول : إذا كانت النجوم وما ذكر مع ضيائها ونورها وكثرة منافع الخلق بها لم تصلح لها الألوهية عند الجميع بالأفول والتسخير ، فالذي كانوا يعبدون على ما سخرهم كانوا تحت البشر أذلاء ، لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع أحق ألا يكون له الربوبية ، وألا توجه (٢) إليه العبودية ، والله أعلم.
فهذا النوع من الاستدراج فيما لو ظهر أنهم لم يكونوا يتخذون النجوم أربابا يعبدونها ؛ وكذلك الذي ذكره القتبي.
والتأويل الثالث (٣) للآية يخرج مخرج الإنكار والاستهزاء ، ويكون في ذلك معنى الاستدراج ؛ إذ هو الإلزام من حيث لا يشعر به ، أو نقض أسباب الشبه درجة فدرجة في حلول المقت ولزوم المقصود بتعاطي ذلك الابتداء بالكشف عن الأسباب.
ثم قيل في هذا بأوجه :
أحدها : أنهم كانوا يعبدون النجوم وما ذكر ، ويدعون إلى ذلك الأولاد والصبيان ـ وإبراهيم منهم ـ فيما كانوا يدعونه إليه ، فقال لما رأى النجم : هذا الذي تعبدون ربي ،
__________________
(١) ينظر تفسير الخازن (٢ / ٤٠٢).
(٢) في أ : يوجب.
(٣) ينظر تفسير الخازن (٢ / ٤٠٢).