بالجحفة بعد أن خرج صلىاللهعليهوسلم من مكة مهاجرا واشتاق إليها ، ووجه ارتباطها بما تقدمها : تضمنها الوعد بالعاقبة الحسنى في الدنيا ، كما تضمن ما قبلها الوعد بالعاقبة الحسنى في الآخرة (١).
والمعنى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) ـ أيها الرسول الكريم ـ ، بأن أنزله إليك ، وكلفك بحفظه وتلاوته على الناس ، والعمل بأوامره ونواهيه.
(لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) أى : لرادك إلى المكان الذي أنت فيه وهو مكة ، بعد أن تهاجر منه.
تعود إليه ظاهرا منتصرا ، بعد أن خرجت منه وأنت مطارد من أعدائك.
تعود إليه ومعك الآلاف من أتباعك بعد أن خرجت منه وليس معك سوى صاحبك أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ.
وقد حقق الله ـ تعالى ـ هذا الوعد لنبيه صلىاللهعليهوسلم فقد عاد الرسول إلى مكة ومعه أصحابه المؤمنون ، بعد سنوات قليلة من هجرتهم منها.
قال صاحب الكشاف : «ووجه تنكيره ـ أى لفظ المعاد ـ أنها كانت في ذلك اليوم معادا له شأن ، ومرجعا له اعتداد ، لغلبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليها ، وقهره لأهلها ، لظهور عز الإسلام وأهله ، وذل الشرك وحزبه (٢).
ثم أرشد ـ سبحانه ـ نبيه إلى ما يرد به على دعاوى المشركين فقال : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى ، وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لمن خالفك وكذبك ، ربي وحده هو الأعلم بالمهتدى وبالضال منى ومنكم ، وسيجازى كل فريق بما يستحقه ، وستعلمون ـ أيها المشركون ـ لمن عقبى الدار.
ثم ذكره ـ سبحانه ـ بنعمة اختصاصه بالنبوة وحمل الرسالة ، فقال : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ).
أى : وما كنت ـ أيها الرسول الكريم ـ قبل وحينا إليك بالرسالة ، تتوقع أو تظن أننا سنكلفك بها ، لكننا كلفناك بها وشرفناك بحملها رحمة منا بالناس فأنت الرحمة المهداة والنعمة المسداة إليهم ، لإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
وما دام الأمر كذلك ، فأكثر من شكر الله ـ تعالى ـ وامض في طريقك فلا تكونن
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ١٢٨.
(٢) تفسير الكشاف ح ٣ ص ٤٢٦.