ولكنه ـ سبحانه ـ لم يشأ ذلك ، لأن ما ادخره لك من عطاء كريم خير وأبقى.
فقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ شاءَ) كلام معترض لتقييد عطاء الدنيا ، أى : إن شاء أعطاك في الدنيا أكثر مما اقترحوه ، أما عطاء الآخرة فهو محقق ولا قيد عليه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) تفسير لقوله : (خَيْراً مِنْ ذلِكَ) فهو بدل أو عطف بيان.
ثم انتقل ـ سبحانه ـ من الحديث عن قبائحهم المتعلقة بوحدانية الله تعالى ، وبشخصية رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الحديث عن رذيلة أخرى من رذائلهم المتكاثرة ، ألا وهي إنكارهم للبعث والحساب ، فقال ـ تعالى ـ : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً). أى ؛ إن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا باتخاذ آلهة من دون الله ـ تعالى ـ ، ولم يكتفوا بالسخرية من رسوله صلىاللهعليهوسلم بل أضافوا إلى ذلك أنهم كذبوا بيوم القيامة وما فيه من بعث وحشر وثواب وعقاب. والحال أننا بقدرتنا وإرادتنا قد أعددنا وهيأنا لمن كذب بهذا اليوم سعيرا. أى : نارا عظيمة شديدة الاشتعال.
وقال ـ سبحانه ـ : (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ) ولم يقل : لمن كذب بها. للمبالغة في التشنيع عليهم ، والزجر لهم ، إذ أن التكذيب بها كفر يستحق صاحبه الخلود في النار المستعرة.
ثم صور ـ سبحانه ـ حالهم عند ما يعرضون على النار ، وهلعهم عند ما يلقون فيها ، كما بين ـ سبحانه ـ حال المتقين وما أعد لهم من نعيم مقيم ، فقال ـ تعالى ـ :
(إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً)(١٦)