الاستهزاء ، حتى أنسوكم ـ لكثرة انهماككم في السخرية بهم ـ تذكر عقابي لكم في هذا اليوم ، (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) في الدنيا ، وتتغامزون عند ما ترونهم استخفافا بهم.
فلهذه الأسباب ، اخسئوا في النار ولا تكلمون ، أما هؤلاء المؤمنون الذين كنتم تستهزءون بهم في الدنيا. فإنى (جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ) الجزاء الحسن (بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) فوزا ليس هناك ما هو أكبر منه.
وبعد هذا الرد الذي فيه ما فيه من الزجر للكافرين ، وبعد بيان أسبابه ، وما اشتمل عليه من تبكيت وتقريع ، يوجه إليهم ـ سبحانه ـ سؤالا يزيدهم حسرة على حسرتهم ، فيقول :
(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)(١١٨)
أى : قال الله ـ تعالى ـ لهم بعد أن زجرهم وأمرهم أن يسكتوا سكوت هوان وذلة : كم عدد السنين التي لبثتموها في دنياكم التي تريدون الرجوع إليها؟
ولا شك أن الله ـ تعالى ـ يعلم مقدار الزمن الذي لبثوه ، ولكنه سألهم ليبين لهم قصر أيام الدنيا ، بالنسبة لما هم فيه من عذاب مقيم ، وليزيد في حسرتهم وتوبيخهم.
وهنا يقولون في يأس وذلة : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهو جواب يدل على استصغارهم للمدة التي لبثوها في الدنيا. بجانب ما هم فيه من عذاب.