وقال الثعلبي : و (ما) نفى ، أى ليس لهم الاختيار على الله. وهذا أصوب ، كقوله ـ تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.). (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) تنزيه له ـ عزوجل ـ عن الشرك والشركاء.
أى تنزه الله ـ تعالى ـ وتقدس بذاته وصفاته عن إشراك المشركين ، وضلاك الضالين.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن علمه شامل لكل شيء فقال : (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ).
أى : وربك ـ أيها الرسول الكريم ـ يعلم علما تاما ما تخفيه صدور هؤلاء المشركين من أسرار ، وما تعلنه من أقوال ، وسيحاسبهم على كل ذلك حسابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
(وَهُوَ اللهُ) ـ سبحانه ـ لا إله إلا هو يستحق العبادة والخضوع (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ).
أى : في الدنيا ، وله الحمد ـ أيضا ـ في الآخرة ، وله وحده (الْحُكْمُ) النافذ (وَإِلَيْهِ) وحده (تُرْجَعُونَ) للحساب لا إلى غيره.
* * *
ثم أمر ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يذكر الناس بمظاهر قدرته ـ سبحانه ـ في هذا الكون ، وأن يوقظ مشاعرهم للتأمل في ظاهرتين كونيتين ، هما الليل والنهار ، فإن التدبر فيما اشتملتا عليه من تنظيم دقيق ، من شأنه أن يبعث على الإيمان بقدرة موجدهما ، وهو الله عزوجل. قال ـ تعالى ـ :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٥٠.