وقوله ـ تعالى ـ : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أى : أإله آخر كائن مع الله ـ تعالى ـ هو الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء .. كلا ، لا شربك مع الله ـ تعالى ـ في خلقه وقدرته ، وإيجاده لهذه الكائنات (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ).
أى : بل إن هؤلاء المشركين قوم يعدلون عمدا عن الحق الواضح وهو التوحيد ، إلى الباطل البين وهو الشرك.
فقوله : (يَعْدِلُونَ) مأخوذ من العدول بمعنى الانحراف عن الحق إلى الباطل. أو من العدل والمساواة ، فيكون المعنى : بل هم قوم ـ لجهلهم ـ يساوون بالله ـ تعالى ـ غيره من آلهتهم.
والجملة الكريمة : انتقال من تبكيتهم بطريق الخطاب ، إلى توبيخهم ، وتجهيلهم ، وبيان سوء تفكيرهم ، وانطماس بصائرهم.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى لفت أنظارهم إلى حقائق كونية أخرى يشاهدونها بأعينهم ، ويحسونها بحواسهم. فقال ـ تعالى ـ : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) والقرار : المكان الذي يستقر فيه الإنسان ، ويصلح لبناء حياته عليه.
أى : بل قولوا لنا ـ أيها المشركون : من الذي جعل هذه الأرض التي تعيشون عليها ، مكانا صالحا لاستقراركم ، ولحرثكم ، ولتبادل المنافع فيما بينكم ، ومن الذي دحاها وسواها وجعلها بهذه الطريقة البديعة.
ومن الذي (جَعَلَ خِلالَها) أى : جعل فيما بينها (أَنْهاراً) تجرى بين أجزائها ، لتنتفعوا بمياه هذه الأنهار في شربكم ، وفي غير ذلك من شئون حياتكم. ومن الذي (جَعَلَ لَها رَواسِيَ) أى : جعل لصلاح حالها جبالا ثوابت ، تحفظها من أن تضطرب بكم.
ومن الذي : (جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) أى : جعل بين البحر العذب والبحر الملح (حاجِزاً) يجعلهما لا يختلطان ولا يمتزجان.
ثم يأتى الاستفهام الإنكارى (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ)؟ أى : أإله مع الله ـ تعالى ـ هو الذي فعل ذلك؟ كلا ، ليس مع الله ـ تعالى ـ آلهة أخرى فعلت ذلك.
(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أى : بل أكثر هؤلاء المشركين ، لا يعلمون الأمور على وجهها الصحيح ، لجهلهم ، وعكوفهم على ما ورثوه عن آبائهم بدون تفكير أو تدبر.
وعبر بأكثرهم ، لأن هناك قلة منهم تعلم الحق ، لكنها تنكره جحودا وعنادا.
ثم تنتقل السورة ـ للمرة الثالثة ـ إلى لفت أنظارهم إلى الحقيقة التي هم يحسونها في