من البين أنه ليس فيما أشركوه به ـ سبحانه ـ شائبة خير ، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض .. (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ خمس آيات ، وكل آية فيها ما يدل على كمال قدرته وعلمه ، وختم كل آية بقوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ)؟ فقال ـ تعالى ـ (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.). وأم هنا منقطعة بمعنى بل الإضرابية والاستفهام للإنكار والتوبيخ.
أى : بل قولوا لنا ـ إن كنتم تعقلون أيها الضالون ـ من الذي خلق السموات والأرض ، وأوجدهما على هذا النحو البديع ، والتركيب المحكم.
(وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو المطر ، الذي لا غنى لكم عنه في شئون حياتكم.
(فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) والحدائق : جمع حديقة ، وهي في الأصل اسم البستان المحاط بالأسوار ، من أحدق بالشيء إذا أحاط به ، ثم توسع فيها فصارت تطلق على كل بستان سواء أكان مسورا بسور أم لا.
أى : وأنزل ـ سبحانه ـ بقدرته من السماء ماء مباركا ، فأنبتنا لكم بسبب هذا الماء حدائق وبساتين وجنات ذات منظر حسن ، يشرح الصدور ، ويدخل السرور على النفوس.
وقال ـ سبحانه ـ : (فَأَنْبَتْنا.). بصيغة الالتفات من الغيبة إلى التكلم. لتأكيد أن القادر على هذا الإنبات هو الله ـ تعالى ـ وحده ، وللإيذان بأن إنبات هذه الحدائق مع اختلاف ألوانها ، وأشجارها ، وطعومها. لا يقدر عليه إلا هو ـ سبحانه ـ.
ولذا أتبع ـ عزوجل ـ هذه الجملة بقوله : (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أى : ما كان في إمكانكم ـ أيها الناس ـ بحال من الأحوال ، أن تنبتوا أشجار هذه الحدائق ، فضلا عن إيجاد ثمارها ، وإخراجها من العدم إلى الوجود.
قال الإمام الرازي : يقال : ما حكمة الالتفات في قوله : (فَأَنْبَتْنا ..). والجواب : أنه لا شبهة في أن خالق السموات والأرض ، ومنزل الماء من السماء ، ليس إلا الله ـ تعالى ـ.
ولكن ربما عرضت الشبهة في أن منبت الشجرة هو الإنسان ، فإن الإنسان قد يقول : أنا الذي ألقى البذر في الأرض ، وأسقيها الماء .. وفاعل السبب ، فاعل للمسبب ، فأنا المنبت للشجرة ..
فلما كان هذا الاحتمال قائما. لا جرم أزال ـ سبحانه ـ هذا الاحتمال. لأن الإنسان قد يأتى بالبذر والسقي .. ولا يأتى الزرع على وفق مراده .. فلهذه النكتة جاء الالتفات .. (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ، ص ٣.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٤١٤.