والمراد بأهله : زوجته. وهي ابنة الشيخ الكبير الذي قال له ـ بعد أن سقى لابنتيه غنمهما ـ : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ..). (١).
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : «وكان ذلك بعد أن قضى موسى الأجل الذي بينه وبين صهره ، في رعاية الغنم ، وسار بأهله ، قيل : قاصدا بلاد مصر بعد ما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين ، ومعه زوجته فأضل الطريق ، وكانت ليلة شاتية ، ونزل منزلا بين شعاب وجبال ... فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور نارا ...» (٢).
وقوله : (آنَسْتُ) من الإيناس ، بمعنى الإبصار الواضح الجلى يقال : آنس فلان الشيء إذا أبصره وعلمه وأحس به.
أى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ وذكر أتباعك ليعتبروا ويتعظوا ، وقت أن قال موسى لأهله ، وهو في طريقه من جهة مدين إلى مصر.
إنى أبصرت ـ إبصارا لا شبهة فيه ـ نارا. فامكثوا في مكانكم ، فإنى (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) أى : سآتيكم من جهتها بخبر ينفعنا في رحلتنا هذه ، ونسترشد به في الوصول إلى أهدى الطرق التي توصلنا إلى المكان الذي نريده.
و (أَوْ) في قوله ـ سبحانه ـ : (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) مانعة خلو.
قال القرطبي : ما ملخصه : «قرأ عاصم وحمزة والكسائي : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) بتنوين (بِشِهابٍ) وقرأ الباقون بدون تنوين على الإضافة ، أى : بشعلة نار ، من إضافة النوع إلى جنسه كخاتم فضة. والشهاب : كل ذي نور ، نحو الكواكب ، والعود الموقد. والقبس : اسم لما يقتبس من جمر وما أشبهه ، فالمعنى بشهاب من قبس ... ومن قرأ (بِشِهابٍ قَبَسٍ) ، بالتنوين جعله بدلا منه ، أو صفة له. على تأويله بمعنى المقبوس ...» (٣).
وقوله : (تَصْطَلُونَ) أى : تستدفئون ، والاصطلاء : الدنو من النار لتدفئة البدن عند الشعور بالبرد. قال الشاعر.
النار فاكهة الشتاء فمن يرد |
|
أكل الفواكه شاتيا فليصطل |
والمعنى : قال موسى ـ عليهالسلام ـ لأهله عند ما شاهد النار : امكثوا في مكانكم ، فإنى
__________________
(١) سورة القصص الآية ٢٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢٧٠.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٥٧.