ذاهب إليها ، لكي آتيكم من جهتها بخبر في رحلتنا فإن لم يكن ذلك ، فإنى آتيكم بشعلة مقتطعة منها ومقتبسة من أصلها ، لعلكم تستدفئون بها في تلك الليلة الشديدة البرودة.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : ـ قوله ـ تعالى ـ : هنا (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) مع قوله ـ تعالى ـ في سورة القصص (١) (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) كالمتدافعين. لأن أحدهما ترج ، والآخر تيقن. قلت : قد يقول الراجي إذا قوى رجاؤه : سأفعل كذا ، وسيكون كذا ، مع تجويزه الخيبة.
فإن قلت : كيف جاء بسين التسويف ـ هنا ـ؟ قلت : عدة لأهله أنه يأتيهم وإن أبطأ ، أو كانت المسافة بعيدة.
فإن قلت : فلم جاء بأو دون الواو؟ قلت : بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا لم يعدم واحدة منهما : إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ، ثقة بعادة الله أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده ...» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حدث لموسى عند ما اقترب من النار فقال : (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها ..). و (أَنْ) هنا مفسرة ، لما في النداء من معنى القول.
وقوله : (بُورِكَ) من البركة ، بمعنى ثبوت الخير وكثرته. والخير هنا يتمثل في تكليم الله ـ تعالى ـ لنبيه موسى. وفي ندائه له. وتشريفه برسالته ، وتأييده بالمعجزات.
والمراد بمن في النار : من هو قريب منها ، وهو موسى ـ عليهالسلام ـ.
والمراد بمن حولها : الملائكة الحاضرون لهذا النداء ، أو الأماكن المجاورة لها.
أى : فلما وصل موسى ـ عليهالسلام ـ إلى القرب من مكان النار ، نودي موسى من قبل الله ـ عزوجل ـ على سبيل التكريم والتحية : أن قدس وطهر واختير للرسالة من هو بالقرب منها وهو موسى ـ عليهالسلام ـ ومن حولها من الملائكة ، أو الأماكن القريبة منها.
قال الآلوسى : «قوله : (مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) ذهب جماعة إلى أن في الكلام مضافا مقدرا في موضعين. أى : من في مكان النار ، ومن حول مكانها قالوا : ومكانها البقعة التي حصلت فيها ، وهي البقعة المباركة ، المذكورة في قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا أَتاها) أى النار ـ (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ..). (٣).
__________________
(١) الآية ٢٩.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٣٤٩.
(٣) سورة القصص الآية ٣٠.