أى : فوربك
لنحضرنهم يوم القيامة للحساب ومعهم شياطينهم ، ثم لنحضرنهم جميعا حول جهنم ، حالة
كونهم باركين على الركب ، عجزا منهم عن القيام ، بسبب ما يصيبهم من هول يوم
القيامة وشدته.
قال ـ تعالى ـ : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً ، كُلُّ
أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ،
هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .
ثم يخص ـ سبحانه ـ
بالذكر المصير المفزع للمتكبرين من هؤلاء الكافرين فيقول : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ
أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا).
والنزع : العزل
والإخراج. يقال : نزع السلطان عامله ، إذا عزله وأخرجه من عمله ، والشيعة في الأصل
: الجماعة من الناس يتعاونون فيما بينهم على أمر من الأمور ، يقال : تشايع القوم ،
إذا تعاونوا فيما بينهم.
و (عِتِيًّا) أى : خروجا عن الطاعة والاستجابة للأمر ، يقال : عتا فلان
يعتو عتوا ـ من باب قعد ـ فهو عات إذا استكبر وجاوز حدوده في العصيان والطغيان.
والمعنى : ثم
لنستخرجن من كل طائفة تشايعت وتعاهدت على الكفر بالبعث ، والجحود للحق ، الذين هم
أشد خروجا عن طاعتنا وامتثال أمرنا فنبدأ بتعذيبهم أولا ، لأنهم أشد من غيرهم في
العتو والعناد والجحود والضلال.
قال الجمل ما
ملخصه : «وأظهر الأعاريب في قوله : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) أن «أى» موصولة بمعنى الذي. وأن حركتها حركة بناء ـ أى هي
مبنية على الضم ـ ، وأشد خبر مبتدأ مضمر.
والجملة صلة لأى.
وأيهم وصلتها في محل نصب مفعولا به لننزعن. وعتيا تمييز محول عن المبتدأ المحذوف
الذي هو أشد ، أى : جراءته على الرحمن أشد من جراءة غيره» .
وقوله ـ تعالى ـ :
(ثُمَّ لَنَحْنُ
أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) بيان لشمول علمه ـ تعالى ـ بأحوال هؤلاء الجاحدين ،
وبأحوال غيرهم.
و (صِلِيًّا) مصدر صلى النار ـ كرضى ـ يصلاها صليا ـ بكسر الصاد وضمها ـ
إذا ذاق حرها ، واكتوى بها.
أى : ثم لنحن أعلم
من كل أحد سوانا ، بالذين هم أحق بجهنم ، وباصطلاء نارها ، وبالاكتواء بحرها
وسعيرها ، لأننا لا يخفى علينا شيء من أحوال خلقنا وسنجازى المتقين بما يستحقون من
خير وثواب ، وسنجازى الجاحدين بما يستحقون من إهانة وعذاب.
__________________