والمعنى : أن الأرزاق بيد الله ـ تعالى ـ لا تنال إلا بمشيئته ، فمن ظن أن الله ـ تعالى ـ غير رازقه ، ولم يصبر ولم يستسلم فليختنق ، فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يرده مرزوقا.
والغرض : الحث على الرضا بما قسمه الله ـ تعالى ـ لا كمن يعبده على حرف ... (١).
وثالثها : أن الآية في قوم من المسلمين استبطئوا نصر الله ـ تعالى ـ لاستعجالهم وشدة غيظهم وحنقهم على المشركين ، فنزلت الآية لبيان أن كل شيء عند الله بمقدار.
ويكون المعنى : من كان من الناس يظن أن لن ينصره الله ، واستبطأ حدوث ذلك ، فليمت غيظا. لأن للنصر على المشركين وقتا لا يقع إلا فيه بإذن الله ومشيئته.
ويبدو أن أقرب الأقوال إلى الصواب ، القول الأول ، وعليه جمهور المفسرين ، ويؤيده قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (... وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٣).
ثم مدح ـ سبحانه ـ القرآن الكريم فقال : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ ...) أى : ومثل ذلك الإنزال البليغ الواضح ، أنزلنا القرآن آيات بينات الدلالة على معانيها الحكيمة ، وتوجيهاتها السديدة.
وأن الله ـ تعالى ـ يهدى من يريد هدايته إلى صراطه المستقيم ، فهو الهادي الذي ليس هناك من هاد سواه.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن مرد الفصل بين الفرق المختلفة إليه وحده. إذ هو العليم بكل ما عليه كل فرقة من حق أو باطل ، فقال ـ تعالى ـ :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(١٧)
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٢٧.
(٢) سورة غافر الآية ٥١.
(٣) سورة آل عمران الآية ١١٩.