هذا ، وما ذكره الله ـ تعالى ـ هنا مجملا عن ندائه لموسى من جانب الطور الأيمن ، قد جاء مفصلا في مواطن أخرى منها قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ، فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ، أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ...) (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ جانبا من فضائل إسماعيل ـ عليهالسلام ـ وهو الفرع الثاني من ذرية إبراهيم ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)(٥٥)
أى : واذكر في هذا الكتاب لقومك ـ أيها الرسول الكريم ـ خبر جدك إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهماالسلام ـ لكي يتأسوا به في صفاته الجليل ، (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) ويكفى للدلالة على صدق وعده ، وشدة وفائه ، أنه وعد أباه بصير على ذبحه فلم يخلف وعده. بل قال ـ كما حكى القرآن عنه ـ (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
ووصف بصدق الوعد وإن كان غيره من النبيين كذلك تشريفا وتكريما له ، ولأن هذا الوصف من الأوصاف التي اكتملت شهرتها فيه.
وقد مدح الله ـ تعالى ـ الأوفياء بعهودهم في آيات كثيرة منها قوله ـ تعالى ـ (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ، أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
وروى الإمام الطبراني عن ابن مسعود قال : لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «العدة دين» ...
وقال القرطبي : «والعرب تمتدح بالوفاء ، وتذم بالخلف والغدر ، وكذلك سائر الأمم ، ولقد أحسن القائل :
__________________
(١) سورة القصص الآيتان ٢٩ ، ٣٠.