ثم بين ـ سبحانه ـ أن الجميع سيرد جهنم ، فقال : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا).
وللعلماء أقوال متعددة في المراد بقوله ـ تعالى ـ (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها).
فمنهم من يرى أن المراد بورودها : دخولها فجميع الناس مؤمنهم وكافرهم يدخلونها ، إلا أن النار تكون بردا وسلاما على المؤمنين عند دخولهم إياها ، وتكون لهيبا وسعيرا على غيرهم.
ومنهم من يرى أن المراد بورودها : رؤيتها والقرب منها والإشراف عليها دون دخولها. كما في قوله ـ تعالى ـ (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أى : أشرف عليه وقاربه.
ومنهم من يرى أن المراد بورودها ، خصوص الكافرين ، أى : أنهم وحدهم هم الذين يردون عليها ويدخلونها. أما المؤمنون فلا يردون عليها ولا يدخلونها.
ويبدو لنا أن المراد بالورود هنا : الدخول ، أى : دخول النار بالنسبة للناس جميعا إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين ، وهناك أدلة على ذلك منها.
أن هناك آيات قرآنية جاء فيها الورود ، بمعنى الدخول ، ومن هذه الآيات قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ. إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ. وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (١).
ومعنى فأوردهم : فأدخلهم.
يضاف إلى ذلك أن قوله ـ تعالى ـ بعد هذه الآية : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) قرينة قوية على أن المراد بقوله (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ..) أى : داخلها سواء أكان مؤمنا أم كافرا ، إلا أنه ـ سبحانه ـ بفضله وكرمه ينجى الذين اتقوا من حرها ، ويترك الظالمين يصطلون بسعيرها.
كذلك مما يشهد بأن الورود بمعنى الدخول ، ما أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد ؛ والترمذي ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم ، والحاكم ... عن أبى سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن ، وقال آخرون يدخلونها جميعا ، ثم ينجى الله الذين اتقوا.
قال : فلقيت جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنهما ـ فذكرت له ذلك فقال ـ وأهوى بإصبعه على أذنيه ـ صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا يبقى بر
__________________
(١) سورة هود الآيات ص ٩٦ ، ٩٨.