(وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)(٦٥)
والتنزل : النزول على مهل. فإنه مطاوع نزل ـ بالتشديد ـ ، يقال : نزلته فتنزل ، إذا حدث النزول على مهل وتدرج. وقد يطلق التنزيل بمعنى النزول مطلقا ، إلا أن المناسب هنا هو المعنى الأول.
والآية الكريمة حكاية لما قاله جبريل للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقد ذكر كثير من المفسرين أن الوحى احتبس عن الرسول صلىاللهعليهوسلم لفترة من الوقت بعد أن سأله المشركون أسئلة تتعلق بأصحاب الكهف. وبذي القرنين وبالروح ، حتى قال المشركون : إن رب محمد صلىاللهعليهوسلم قد قلاه ـ أى : أبغضه وكرهه ـ فلما نزل جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم بعد فترة من غياب ـ قيل خمسة عشر يوما وقيل أكثر قال له : يا جبريل احتبست عنى حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال له جبريل : إنى كنت أشوق ولكني عبد مأمور ، إذا بعثت جئت ، وإذا حبست احتبست ، وأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية وسورة الضحى» (١).
وقال الآلوسى : «ولا يأبى ما تقدم في سبب النزول ما أخرجه أحمد ، والبخاري والترمذي ، والنسائي ، وجماعة ، في سببه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل : ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ ..) لجواز أن يكون صلىاللهعليهوسلم قال ذلك في محاورته السابقة ـ أيضا ـ ، واقتصر في كل رواية على شيء مما وقع في المحاورة ...» (٢).
والمعنى : قال جبريل للرسول صلىاللهعليهوسلم عند ما سأله عن سبب احتباسه عنه لفترة من الوقت : يا محمد إنى ما أتنزل عليك وقتا بعد وقت ، إلا بأمر ربك وإرادته ، فأنا عبده الذي لا يعصى له أمرا ...
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ١٦ ص ٨٧.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ١١٤.