مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ..) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) (٢).
قال الإمام ابن كثير : «وفي الحديث الصحيح ـ الذي يرويه النبي صلىاللهعليهوسلم عن ربه : «يقول الله ـ تعالى ـ كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني. أما تكذيبه لي فقوله : لن يعيدني كما بدأنى ، وليس أول الخلق أهون على من آخره.
وأما أذاه إياى فقوله : «إن لي ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد».
ثم عقب ـ سبحانه ـ على هذا التوبيخ والتقريع لهذا الإنسان الجاحد ، بقسم منه ـ سبحانه ـ على وقوع البعث والنشور ، فقال : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ، ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا).
والحشر : الجمع. يقال : حشر القائد جنده ، إذا جمعهم.
والمراد بالشياطين : أولئك الأشرار الذين كانوا في الدنيا يوسوسون لهم بإنكار البعث.
أى : أقسم لك بذاتى ـ أيها الرسول الكريم ـ أن هؤلاء المنكرين للبعث لنجمعنهم جميعا يوم القيامة للحساب والجزاء ، ولنجمعن معهم الشياطين الذين كانوا يضلونهم في الدنيا.
قالوا : وفائدة القسم أمران : أحدهما : أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين ، والثاني : أن في إقسام الله ـ تعالى ـ باسمه ، مضافا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم رفعا منه لشأنه ، كما رفع من شأن السموات والأرض في قوله ـ تعالى ـ : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٣).
وقوله : (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) تصوير حسى بليغ لسوء مصيرهم ، ونكد حالهم.
و (جِثِيًّا) جمع جاث وهو الجالس على ركبتيه. يقال : جثا فلان يجثو ويجثى جثوا وجثيا فهو جاث إذا جلس على ركبتيه ، أو قام على أطراف أصابعه. والعادة عند العرب أنهم إذا كانوا في موقف شديد ، وأمر ضنك جثوا على ركبهم.
__________________
(١) سورة يس الآيتان ٧٨ ، ٧٩.
(٢) سورة الواقعة الآية ٦٢.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٧٢.