وَلا تَضْحى) تعليل لما يوجبه النهى عن طاعة إبليس التي ستؤدى بهما إلى الإخراج من الجنة وإلى الشقاء في الدنيا.
والجوع : ضد الشبع. وقوله (تَعْرى) من العرى الذي هو خلاف اللبس.
يقال : عرى فلان من ثيابه يعرى عريا ، إذا تجرد منها.
وقوله (تَضْحى) أى : لا يصيبك حر الشمس في الضحى. يقال : ضحا فلان يضحى ضحوا ـ كسعى ـ إذا كان بارزا لحر الشمس في الضحى.
أى : احذر يا آدم أن تطيع إبليس فيحل بك الشقاء ، وتخرج من الجنة التي لا يصيبك فيها شيء من الجوع ، ولا شيء من العرى أو الظمأ ، ولا شيء من حر الشمس في الضحى .. وإنما أنت فيها متمتع بكل مطالب الحياة الهنيئة الناعمة الدائمة.
قال صاحب الكشاف : الشبع والري والكسوة والسكن ـ هذه الأربعة ـ هي الأقطاب التي يدور فيها كفاح الإنسان ، فذكّره استجماعها له في الجنة وأنه مكفى لا يحتاج إلى كفاية كاف ، ولا إلى كسب كاسب كما يحتاج إلى ذلك أهل الدنيا.
وذكرها بلفظ النفي لنقائضها التي هي الجوع والعرى والظمأ والضحو ، ليطرق سمعه بأسامى أصناف الشقوة التي حذره منها ، حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن آدم ـ عليهالسلام ـ مع هذه النصائح والتحذيرات لم يستطع أن يستمر على الاستجابة لنهى ربه إياه عن الأكل من الشجرة ، بل تغلب عليه ضعفه فاستمع إلى مكر الشيطان ، قال ـ تعالى ـ : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى).
والوسوسة : الخطرة الرديئة ، وأصلها من الوسواس ، وهو صوت الحلي ، والهمس الخفى. والوسواس ـ بكسر الواو الأولى ـ مصدر وبفتحها الاسم وهو من أسماء الشيطان ، كما قال ـ تعالى ـ : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ ، مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).
ويقال : وسوس فلان إلى فلان ، أى : أوصلها إليه ، ووسوس له ، أى : من أجله. أى فأوصل الشيطان وسوسته إلى آدم ، وأنهاها إليه ، بأن قال له : يا آدم ، هل أدلك على الشجرة التي من أكل منها عاش مخلدا لا يدركه الموت وصار صاحب ملك لا يفنى ، ولا يصبح باليا أبدا.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٩٢.