وناداه باسمه ، ليكون أكثر إقبالا عليه ، وأمكن في الاستماع إليه.
وعرض عليه ما عرض في صورة الاستفهام الذي بمعنى الحث والحض ، ليشعره بأنه ناصح له وحريص على مصلحته ومنفعته.
ثم أكد كل هذا التحريض بالقسم كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (١).
فكانت نتيجة مكره بآدم وخداعه له ، أن أطاعه في الأكل من الشجرة كما قال ـ تعالى ـ : (فَأَكَلا مِنْها) أى : فأكل آدم وزوجه من الشجرة التي نهاه ربه عن الأكل منها.
(فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) أى : عوراتهما ، وسميت العورة سوءة ، لأن انكشافها يسوء صاحبها وبحزنه ، ويجعل الناس تنفر منه.
(وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ..) أى : وشرعا وأخذا يلزقان على أجسادهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما.
وكثير من المفسرين يقولون : إن ورق الجنة الذي أخذ آدم وحواء في لزقه على أجسادهما هو ورق شجر التين لكبر حجمه.
وقد أخذ العلماء من ذلك وجوب ستر العورة ، لأن قوله ـ تعالى ـ : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) يدل على قبح انكشافها ، وأنه يجب بذل أقصى الجهد في سترها.
وقوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) أى : وخالف آدم أمر ربه في اجتناب الأكل من الشجرة (فَغَوى) أى : فأخطأ طريق الصواب ، بسبب عدم طاعته ربه.
قالوا : ولكن آدم في عصيانه لربه كان متأولا ، لأنه اعتقد أن النهى عن شجرة معينة لا عن النوع كله ، وقالوا : وتسمية ذلك عصيانا لعلو منصبه ، وقد قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين.
كما قالوا : إن الأسباب التي حملت آدم على الأكل من الشجرة ، أن إبليس أقسم له بالله إنه له ناصح ، فصدقه آدم ـ عليهالسلام ـ لاعتقاده أنه لا يمكن لأحد أن يقسم بالله كاذبا ، والمؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم كما جاء في الحديث الشريف.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) بيان لفضل الله ـ تعالى ـ على آدم ، حيث قبل توبته ، ورزقه المداومة عليها.
__________________
(١) سورة الأعراف آية ٢١.