قال القرطبي ما ملخصه : «الحواريون خلصان الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم ، وقد كانوا عالمين باستطاعة الله لذلك ولغيره علم دلالة وخبر ونظر فأرادوا علم معاينة كذلك ، كما قال إبراهيم (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وقد كان إبراهيم علم ذلك علم خبر ونظر ، ولكن أراد المعاينة التي لا يدخلها ريب ولا شبهة ؛ لأن علم النظر والخبر قد تدخله الشبهة والاعتراضات ، وعلم المعاينة لا يدخله شيء من ذلك ، ولذلك قال الحواريون : (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) كما قال إبراهيم (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (١).
(ب) أن السؤال إنما هو عن الفعل لا عن القدرة عليه ، وقد بسط الآلوسى هذا المعنى فقال : إن معنى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) هل يفعل ربك كما تقول للقادر على القيام : هل تستطيع أن تقوم معى مبالغة في التقاضي.
والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من باب التعبير عن المسبب بالسبب ، إذ هي ـ أى الاستطاعة ـ من أسباب الإيجاد (٢).
(ج) أن الاستطاعة هنا بمعنى الإطاعة ـ كما سبق أن أشرنا ـ ويشهد لذلك قول الفخر الرازي : قال السدى ؛ قوله (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ). أى : هل يطيعك ربك إن سألته. وهذا تفريع على أن استطاع بمعنى أطاع والسين زائدة (٣).
والذي نراه أن رأى الجمهور أرجح للأدلة التي ذكرناها ، ولأن الله ـ تعالى ـ قد ذكر قبل هذه الآية أنه قد امتن عليهم بإلهامهم الإيمان فقال :
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) ولأنهم لو كانوا غير مؤمنين لكشف الله عن حقيقتهم ، فقد جرت سنته ـ سبحانه ـ مع أنبيائه أن يظهر لهم نفاق المنافقين حتى يحذروهم.
ولأنهم لو كانوا غير مؤمنين ، لما أمر الله أتباع النبي صلىاللهعليهوسلم بالتأسى بهم في إخلاصهم ورسوخ يقيتهم قال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) (٤).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٦٥
(٢) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٥٩
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٢٩
(٤) الآية الأخيرة من سورة الصف.