و (مِنَ) في قوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) بيانية.
أى : مبينة لأولئك الذين يستهزئون بدين الله ويجعلونه موضع عبثهم.
والمراد بالذين أوتوا الكتاب : اليهود والنصارى.
وسموا بذلك ؛ لأن أصل شرعهم ينتمى إلى كتاب منزل هو التوراة والإنجيل.
وفي وصفهم بذلك هنا ، توبيخ لهم ، حيث إنهم استهزءوا بالدين الحق ، مع أن كتابهم ينهاهم عن ذلك.
والمراد بالكفار هنا المشركون الذين لا كتاب لهم.
وقرأ الجمهور (الْكُفَّارَ) بالنصب عطفا على (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ) المبين بقوله : (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).
وقرأ أبو عمرو والكسائي (الْكُفَّارَ) بالجر عطفا على (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).
وقوله : (أَوْلِياءَ) أى : نصراء وأصفاء. وهو المفعول الثاني لقوله (لا تَتَّخِذُوا) والآية الكريمة تنهى المؤمنين عن ولاية كل عدو لله ـ تعالى ـ ولهم سواء أكان هذا العدو من أهل الكتاب أم من المشركين ؛ لأن الجميع يشتركون في الاستهزاء بتعاليم الإسلام ، وفي العبث بشعائره.
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تذييل قصد به استنهاض همتهم لامتثال أمر الله ـ تعالى ـ وإلهاب نفوسهم حتى يتركوا موالاة أعدائهم بسرعة ونشاط.
أى : واتقوا الله في سائر ما أمركم به وما نهاكم عنه ، فلا تضعوا موالاتكم في غير موضعها ، ولا تخالفوا لله أمرا. إن كنتم مؤمنين حقا ، ممتثلين صدقا ، فإن وصفكم بالإيمان يحتم عليكم الطاعة التامة لله رب العالمين.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ بعض مظاهر استهزاء أولئك الضالين بالدين وشعائره ، فقال ـ تعالى ـ : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً).
والمراد بالنداء للصلاة : الإعلام بها عن طريق الأذان.
قال القرطبي : كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود : قاموا لا قاموا ، وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا. وقالوا في حق الأذان : لقد ابتدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم. فمن أين لك صياح مثل صياح العير؟ فما أقبحه من صوت ، وما أسمجه من أمر (١).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٢٢٤.