يوجب إيلام البدن وهو الصوم ، وذلك أيضا ثقيل على الطبع.
والمعنى أنه ـ تعالى ـ أوجب على قاتل الصيد أحد هذه الأشياء التي كل واحد منها ثقيل على الطبع حتى يحترز عن قتل الصيد في الحرم وفي حال الإحرام» (١).
وقوله : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله بعباده ولطفه بهم ، لأنه ـ سبحانه ـ لم يؤاخذهم على قتلهم للصيد وهم محرمون قبل تحريمها والنهى عنها.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بتهديد شديد لمن تتكرر منه المخالفة لأوامر الله ونواهيه فقال : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ).
أى : ومن عاد وهو محرم إلى قتل الصيد بعد ورود النهى عن ذلك فإن الله ـ تعالى ـ ينتقم منه ويعاقبه عقابا شديدا فهو ـ سبحانه ـ العزيز الذي لا يغالب ولا يقاوم ، المنتقم الذي لا يدفع انتقامه بأى وسيلة من الوسائل.
هذا وجمهور العلماء على أن المحرم يتكرر الجزاء عليه في قتل الصيد بتكرر القتل وأن عقوبة الآخرة ـ وهي انتقام الله من الجاني ـ لا تمنع وجوب الجزاء عليه في الدنيا.
قال ابن كثير. ثم الجمهور من السلف والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة وإن تكرر ما تكرر سواء الخطأ في ذلك والعمد.
وقال على بن طلحة عن ابن عباس قال : من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم يحكم عليه فيه كلما قتله. فإن قتله عمدا يحكم عليه فيه مرة واحدة. فإن عاد يقال له ينتقم الله منك» (٢).
وبذلك نرى الآية الكريمة قد حذرت المؤمنين من التعرض للصيد في حالة إحرامهم ، وبينت الجزاء المترتب على من يفعل ذلك ، وهددت من يستهين بحدود الله بالعذاب الشديد.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أحله للمحرم وما حرمه عليه مما يتعلق بالصيد فقال ـ تعالى ـ :
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٩٦)
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٣ ص ٩٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٠١.