قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ٤ ]

211/360
*

ثم حكى ـ سبحانه ـ لونا آخر من رذائلهم فقال : (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ).

والرؤية في قوله : (وَتَرى) بصرية.

والإثم : هو كل قول أو عمل لا يرضاه الله ـ تعالى ـ.

والعدوان : مجاوزة الحد في الظلم والتعدي. والسحت : هو المال الحرام كالرشوة وغيرها.

أى : وترى ـ أيها الرسول الكريم أو أيها السامع ـ كثيرا من هؤلاء اليهود ، يسارعون في ارتكاب الآثام وفي التعدي والظلم وأكل المال الحرام بدون تردد أو تريث. والتعبير بقوله : (وَتَرى) يفيد أن ارتكابهم لهذه المنكرات لم يكن خافيا أو مستورا ، وإنما هم يرتكبونها مجاهرة وعلانية ، لأن فضيلة الحياء قد نضبت من وجوههم.

والمسارعة في الشيء : المبادرة إليه بسرعة وخفة ونشاط ، وأكثر استعمالها في الخير كما قال ـ تعالى ـ (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (١) (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) (٢) وقد استعملت هنا في مسارعتهم في الإثم والعدوان وأكلهم السحت ، للإشارة إلى أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات وكأنهم محقون فيها.

والتعدية بحرف (فِي) تؤذن بأنهم مغمورون في الآثام ؛ وأنهم يتنقلون فيها من حال إلى حال أخرى شر منها ، حتى لكأن السير في طريق الحق والصدق والفضيلة صار غير مألوف عندهم.

وقوله : (لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) تذييل قصد به تقبيح أعمالهم التي يأباها الدين والخلق الكريم.

أى : لبئس شيئا كانوا يعملونه هذه المنكرات التي منها مسارعتهم في الإثم والعدوان وأكلهم السحت.

وهذه الجملة هي حكم من الله ـ تعالى ـ عليهم بذم أعمالهم. وقد جمع ـ سبحانه ـ في حكمه بين صيغة الماضي (كانُوا) وصيغة المضارع (يَعْمَلُونَ) للإشارة إلى أن هذا العمل القبيح كان منهم في الماضي ، وأنهم قد استمروا عليه في حاضرهم ومستقبلهم بدون توبة أو ندم.

وقد أكد ـ سبحانه ـ هذا الحكم بالقسم ، وباللام الموطئة للقسم ، وبكلمة بئس الدالة على

__________________

(١) سورة المؤمنون. الآية ٦١.

(٢) سورة المؤمنون الآية ٥٦.