الزمان ، إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت» (١).
والخلاصة أن الآية الكريمة لا ترخص في ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إنها ـ كما قال الحاكم ـ لو استدل بها على وجوبهما لكان أولى ، لأن قوله (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) معناه : الزموا أن تصلحوا أنفسكم باتباع الدلائل من كتاب الله وسنة رسوله والعقليات المؤيدة بها ، ودعوة الإخوان إلى ذلك ، بإقامة الحجج ودفع الشبه ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ولا تقصروا في ذلك» (٢).
ونقل الفخر الرازي عن عبد الله بن المبارك أنه قال : هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فإنه ـ سبحانه ـ قال (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) يعنى عليكم أهل دينكم ولا يضركم من ضل من الكفار. وهذا كقوله فاقتلوا أنفسكم ، يعنى أهل دينكم فقوله (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) يعنى بأن يعظ بعضكم بعضا. ويرغب بعضكم بعضا في الخيرات وينفره عن القبائح والسيئات» (٣) ثم ختمت السورة حديثها الطويل المتنوع عن الأحكام الشرعية ببيان بعض أحكام المعاملات في المجتمع الإسلامى فتحدثت عن التشريع الخاص بالإشهاد على الوصية في حالة السفر ، وعن الضمانات التي شرعتها لكي يصل الحق إلى أهله كاملا غير منقوص فقال ـ تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ٩٦
(٢) تفسير القاسمى ج ٦ ص ٣٩١
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ١١٢