أى : ذلك اللعن للكافرين من بنى إسرائيل سببه عصيانهم لله ولرسله ، وعدوانهم على الذين يأمرونهم بالقسط من الناس.
أى أن لعنهم لم يكن اعتباطا أو جزافا ، وإنما كان بسبب أقوالهم القبيحة وأفعالهم المنكرة ، وسلوكهم السيئ.
وقوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) جملة من مبتدأ وخبر. وقوله : (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) معطوف على صلة ما وهو (عَصَوْا) فيكون داخلا في حيز السبب الذي أدى إلى لعنهم والجملة المكونة من اسم الإشارة (ذلِكَ) وما بعدها مستأنفة واقعة موقع الجواب لسؤال تقديره لما ذا لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل؟
وقد أفاد اسم الإشارة مع باء السببية ومع وقوع الجملة في جواب سؤال مقدر أفاد مجموع ذلك ما يشبه القصر.
وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ).
أى : لم يكن ذلك اللعن الشنيع إلا لأجل المعصية والاعتداء لا لشيء آخر ، (١).
وعبر ـ سبحانه ـ عن عصيانهم بالماضي فقال (ذلِكَ بِما عَصَوْا) للإشارة إلى استقرار العصيان في طبائعهم ، وثباته في نفوسهم وجوارحهم.
وعبر عن عدوانهم بالمضارع ، للإيذان بأنه مستمر قائم ، فهم لم يتركوا نبيا إلا وآذوه ، ولم يتركوا مصلحا إلا واعتدوا عليه فاعتداؤهم على المصلحين مستمر في كل زمان ومكان.
ثم فسر ـ سبحانه ـ عصيانهم وعدوانهم بقوله (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ).
وقوله (يَتَناهَوْنَ) من التناهى.
قال الفخر الرازي : وللتناهى هاهنا معنيان :
أحدهما : وهو الذي عليه الجمهور ـ أنه تفاعل من النهى. أى : كانوا لا ينهى بعضهم بعضا.
روى ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من رضى عمل قوم فهو منهم. ومن كثر سواد قوم فهو منهم» والمعنى الثاني : في التناهى أنه بمعنى الانتهاء عن الأمر ، تناهى عنه إذا كف عنه» (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٦٧
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٦٤