أى أنهم قد ضلوا من قبل البعثة النبوية الشريفة ، وضلوا من بعدها عن (سَواءِ السَّبِيلِ) أى : عن الطريق الواضح الذي أتى به النبي صلىاللهعليهوسلم وهو طريق الإسلام وذلك لأنهم لم يتبعوه صلىاللهعليهوسلم مع معرفتهم بصدقة ؛ بل كفروا به حسدا له على ما آتاه الله من فضله.
فأنت ترى أنه ـ تعالى ـ قد وصفهم ـ كما يقول الإمام الرازي ـ بثلاث درجات في الضلال : فبين أنهم كانوا ضالين من قبل ، ثم ذكر أنهم كانوا مضلين لغيرهم ، ثم ذكر أنهم استمروا على تلك الحالة حتى الآن ضالون كما كانوا ولا نجد حالة أقرب إلى البعد من الله والقرب من عقابه من هذه الحالة ويحتمل أنهم ضلوا وأضلوا ثم ضلوا بسبب اعتقادهم في ذلك الإضلال أنه إرشاد إلى الحق (١).
هذا ، ومما أخذه العلماء من هذه الآية الكريمة أن الغلو في الدين لا يجوز وهو مجاوزة الحق إلى الباطل وقد سقنا من الآثار ما يشهد بذلك عند تفسيرنا لصدر الآية الكريمة.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه دلت الآية على أن الغلو في الدين غلوان «غلو حق» وهو أن يفحص عن حقائقه ، ويفتش عن أباعد معانيه ، ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون. وغلو باطل ، وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه. كما يفعل أهل الأهواء والبدع والضلال (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك بعض الرذائل التي شاعت في بنى إسرائيل ، والتي بسببها استحقوا اللعن والطرد من رحمة الله فقال ـ تعالى ـ :
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩) تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٢ ص ٦٤
(٢) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٦٦