وقوله : (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) تأكيد لتنزههما عن الحلف الكاذب.
قال صاحب الكشاف : والضمير في (بِهِ) للقسم وفي (كانَ) للمقسم له. يعنى : لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من الدنيا. أى : لا نحلف كاذبين لأجل المال ، ولو كان من يقسم له قريبا منا ، على معنى : أن هذه عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبدا ، وأنهم داخلون تحت قوله ـ تعالى ـ (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (١).
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد أكد هذا القسم بجملة من المؤكدات منها : أن الحالفين يحلفان بأنهما لا يحصلان بيمين الله ثمنا مهما كانت قيمته ، وبأنهما لن يحابيا إنسانا مهما بلغت درجة قرابته وبأنهما لن يكتما الشهادة التي أمرهما الله بأدائها على وجهها الصحيح ، وبأنهما يقران على أنفسهما باستحقاق عقوبة الآثم المذنب إن كتما أو خانا أو حادا عن الحق ، وهذا كله لأجل أن تصل وصية الميت إلى أهله كاملة غير منقوصة.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكم فيما إذا تبين أن الرجلين اللذين دفع إليهما الموصى ما له لم يكونا أمينين فقال : (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ).
وقوله : (عُثِرَ) أى : اطلع. يقال عثر الرجل على الشيء عثورا إذا اطلع عليه. ويقال : عثرت منه على خيانة أى : اطلعت.
وقوله : (الْأَوْلَيانِ) تثنية أولى بمعنى أقرب. فالمراد بقوله (الْأَوْلَيانِ) أى : الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما بأحوال الميت.
والمعنى : فان اطلع بعد تحليف الشاهدين الوصيين من جهة الميت على أنهما (اسْتَحَقَّا إِثْماً) أى : فعلا ما يوجب الإثم من خيانة أو كتمان أو ما يشبههما (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) أى : فرجلان آخران يقومان مقام اللذين اطلع على خيانتهما : أى يقفان موقفهما في الحبس بعد الصلاة والحلف ويكون هذان الرجلان الآخران (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ).
قال القرطبي : قال ابن السرى : أى من الذين استحق عليهم الإيصاء واختاره ابن العربي ؛ وأيضا فإن التفسير عليه ، لأن المعنى عند أهل التفسير : من الذين استحقت عليهم الوصية (٢).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٨٨
(٢) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٥٨