والمراد بالأكل الانتفاع مطلقا ، وعبر عن ذلك به لكونه أعظم الانتفاعات ويستتبع سائرها.
ومفعول «أكلوا» محذوف لقصد التعميم. أو القصد إلى نفس الفعل كما في قولهم : فلان يعطى ويمنع.
وقوله : (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) مدح للقلة التي تستحق المدح من أهل الكتاب» وذم للكثيرين منهم الذين قبح عملهم وفسدت نفوسهم.
والأمة : الجماعة من الناس الذين يجمعهم دين واحد. أو جنس واحد. أو مكان واحد. ومقتصدة من الاقتصاد وهو الاعتدال في كل شيء والمراد به هنا : السير على الطريق المستقيم الذي يوصل إلى الحق والخير ، وهو طريق الإسلام.
والمعنى : من أهل الكتاب جماعة مستقيمة على طريق الحق ، وهم قلة آمنت بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم وإلى جوار هذه الجماعة القليلة المستقيمة عدد كبير من أهل الكتاب ساء عملهم ، واعوج سلوكهم ، وكان من حالهم ما يثير العجب والدهشة.
والمراد بهذه الأمة المقتصدة من أهل الكتاب من دخل منهم في الإسلام واتبع ما جاء به النبي ـ صلىاللهعليهوسلم.
وبذلك نرى هاتين الآيتين قد بشرت أهل الكتاب بالسعادة الدنيوية والأخروية متى آمنوا بالله تعالى ـ واتبعوا ما جاء به رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم.
وبعد أن حكى الله ـ تعالى ـ في الآيات السابقة ما كان عليه أعداء الإسلام ـ وخصوصا اليهود ـ من محاولات لفتنة الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن دسائس حاكوها لعرقلة سير الدعوة الإسلامية ، ومن استهزاء بتعاليم الإسلام ومن حقد على المؤمنين لإيمانهم برسل الله وكتبه ومن سوء أدب مع خالقهم ورازقهم. بعد أن حكى ـ سبحانه ـ كل ذلك ، أتبعه بتوجيه نداء إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم أمره فيه بأن يمضى في تبليغ رسالته إلى الناس دون أن يلتفت إلى مكر الماكرين ، أو حقد الحاقدين. فإنه ـ سبحانه ـ قد حماه وعصمه منهم فقال :
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٦٧)