أقوال فقال ـ تعالى ـ : (قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ، فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
وقوله : (مُنَزِّلُها) ورد فيه قراءتان متواتران.
إحداهما : منزلها ـ بتشديد الزاى ـ من التنزيل وهي تفيد التكثير أو التدريج كما تنبئ عن ذلك صيغة التفعيل. وبهذه القراءة قرأ ابن عامر وعاصم ونافع.
وقرأ الباقون (مُنَزِّلُها) بكسر الزاى ـ من الإنزال المفيد لنزولها دفعة واحدة.
والمعنى : قال الله ـ تعالى ـ إنى منزل عليكم المائدة من السماء إجابة لدعاء رسولي عيسى ـ عليهالسلام ـ (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ) أى فمن يكفر بعد نزولها منكم أيها الطالبون لها (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) أى : فإن الله ـ تعالى ـ يعذب هذا الكافر بآياته عذابا لا يعذب مثله أحدا من عالمي زمانه أو من العالمين جميعا.
وقد أكد ـ سبحانه ـ عذابه للكافر بآيات الله بعد ظهورها وقيام الأدلة على صحتها بمؤكدات منها : حرف إن في قوله (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) ومنها : المصدر في قوله (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً) إذ المفعول المطلق هنا لتأكيد وقوع الفعل وهو العذاب. ومنها : وصف هذا العذاب بأنه لا يعذب مثله لأحد من العالمين.
وهذه المؤكدات لوقوع العذاب على الكافر بآيات الله بعد وضوحها من أسبابه : أن الكفر بعد إجابة ما طلبوه ، وبعد رؤيته ومشاهدته ؛ وبعد قيام الأدلة على وحدانية الله وكمال قدرته ، وبعد ظهور البراهين الدالة على صدق رسوله.
أقول : الكفر بعد كل ذلك يكون سببه الجحود والعناد والحسد ، والجاحد والمعاند والحاسد يستحقون أشد العذاب ، وأعظم العقاب.
هذا ، وهنا مسألتان تتعلقان بهذه الآيات الكريمة ، نرى من الخير أن نتحدث عنهما بشيء من التفصيل.
المسألة الأولى : آراء العلماء في إيمان الحواريين وعدم إيمانهم.
المسألة الثانية : آراء العلماء في نزول المائدة وعدم نزولها.
وللاجابة عن المسألة الأولى نقول : لعل منشأ الخلاف في إيمان الحواريين وعدم إيمانهم مرجعه إلى قولهم لعيسى ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ)؟ فإن هذا القول يشعر بشكهم في قدرة الله على إنزال هذه المائدة.
وقد ذهب فريق من العلماء ـ وعلى رأسهم الزمخشري ـ إلى عدم إيمانهم ، وجعلوا الظرف في