هذا الإنسان بالرجوع إلى ربه ، وإنشاء العلاقة معه ، حيث عرّفه بأنه لم يزل يرعاه ، ويهتم به في كل لحظة وآن .. وأنه هو الذي يربيه وينميه ، وينشؤه .. ويتفضل عليه بالنعم ، من دون أن يقهره على شيء ، بل هو يعطيه كل القدرات وكل الإمكانات ، ثم يعطيه حق الاختيار ، ويمكّنه من أن يتصرف في كل شيء ، وأن يحدد موقفه وموقعه .. حتى لو كان ما يختاره يتعارض مع ما يريده الله منه ، وما يدعوه إليه ..
وتلمس في هذه الآيات المباركة كيف أنه تعالى لا يبادر إلى التهديد والوعيد ، في أسلوب قمعي ، قاس ، وصاعق .. بل هو يمهد إلى إخراج الإنسان من جهله وغفلته ، واستكباره ، وعجبه ، وكفره ، وضلاله ، وانحرافه ، بأسلوب رضي عطوف ، يهيؤه لتلمس واقعه بنفسه ، ممسكا بيده برأفة ، وبلطف ، وعطف ، مذكرا إياه بمحبة الله ورعايته له ، مثيرا كوامن وجدانه ، وبريء مشاعره وأحاسيسه ، وصافي فطرته ، بصورة السؤال ، لا بصورة الخبر المفروض : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً).
وآيات السؤال عن الخلق وكيفياته كثيرة :
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)؟!
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) (١)؟!
(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٢)؟!
ألم .. ألم ..
__________________
(١) سورة القيامة الآية ٣٧.
(٢) سورة البلد الآيتان ٨ / ٩.