فالابتلاء المصاحب للتكليف والمسؤولية يجعل الإنسان مستعدا لإفاضة المزيد من الإدراك ، والفهم ، والوعي ، والسميعية والبصيرية عليه. ولذا قال : (فَجَعَلْناهُ) ولم يقل : فيصير سميعا بصيرا.
تقديم كلمة سميع على بصير :
وبالمراجعة إلى الآيات القرآنية يتضح : أن ديدن القرآن قد جرى على تقديم السمع والسميعية على البصر والبصيرية ..
فلعل من أسباب ذلك :
أن درجات الإحساس بالأشياء تختلف وتتفاوت ، باختلاف صاحب الحاسة ، وباختلاف الحاسة نفسها ، وباختلاف المحسوس أيضا ، نوعا ، وكما ، وكيفا.
ولتوضيح ذلك نقول :
إن الإبصار يتم بارتسام صورة لشيء مّا ، ثم يتم إرسال هذه الصورة إلى القوة المدركة ، لتمييز ألوانها ، وأشكالها ، وأحجامها ، ونحو ذلك ..
أما السمع ، فهو يحصل بصورة أكثر تعقيدا ، وذلك لأن احتكاك المسموعات يحدث ارتجاجات ، يصل مداها إلى قوى الإدراك التي تقوم بالتمييز بين حالات ومستويات وميزات ذلك الصوت ، الذي نشأ عن ذلك الاحتكاك من خلال ملاحظة حالات وخصوصيات تلك الارتجاجات ..
فإذا كان البصر يعكس صورة ، ثم تتلقفها قوة الإدراك ، وتضعها على المشرحة ، وتميز بين حالاتها ، وألوانها ، وأشكالها ..
فإن السمع ليس كذلك ، بل إن الصوت يصل أولا إلى مناطق الإحساس ، ويتفاعل معها ، وتتفاعل معه .. ويثيرها ، ويؤثر فيها .. ثم تتلقفها