وهذا يعطي أن الذي أطعم الطعام ، يمتلك نفسا ، وقلبا ، وإنسانية ، لا نظير لها. ولا يمكن تحديد قيمتها.
ب : الإطعام وقت الإفطار :
وقد أشرنا قبل قليل إلى أن أولئك الصائمين ، قد أعطوا طعامهم الذي كان أمامهم وقت الإفطار .. ونحب أن نشير إلى أمر مفيد هنا ، هو :
أن المال حين يكون نقودا ، فإن التخلي عنه يكون أسهل مما لو تحول إلى سلعة ، مثل : قميص ، ساعة ، قلم ، بيت ، خاتم ، سبحة .. إذ إن تجسّد المال على هذا النحو يعمق العلاقة به. فالصدقة بثمن الخاتم أسهل من الصدقة بالخاتم نفسه.
وذلك لأن للمال مغريات توجب المزيد من التعلق به ، فللشكل جاذبيته ، وللألفة تأثيرها ، وللأنس به ، وللأحداث التي ترتبط به ، التي تتحول إلى ذكريات لذيذة ، دورها .. ثم لارتباطه بأمور عزيزة كالآباء والأجداد ، والأبناء .. وللقدم والغموض ، دوره .. والأثر الكبير في الارتباط والتعلق به ..
فإذا انضم إلى ذلك أو إلى بعضه الحاجة الغريزية الجسدية لهذه السلعة ، كما لو كان طعاما يحتاجه الإنسان لسدّ جوعه. وتدعوه إليه حاجته الطبيعية ..
وإذا انضم إلى ذلك أن له روائح ، وأن له شكلا أو طعما ، يشد الإنسان إليه ، ويداعب خياله ، فإن التعلق به سيزداد ، وفقا لتوافر المعاني ، والخصوصيات الكامنة فيه ، والاعتبارات التي يوحي بها ذلك المال المتجسد .. ولا بد أن نتصور مدى تعلق الباذلين بالطعام الحاضر ، خصوصا بعد أن مر عليهم ثلاثة أيام بلا طعام.