وعن الأوامر والزواجر ، وعن القيم والمثل والمآثر التي يدعوه إليها القرآن .. وعن الغايات التي يدفعه إليها ..
وقد جاءت هذه الآيات التي تحدثت عن خلق الإنسان من نطفة أمشاج الخ .. ، لإعادة هذا الإنسان إلى دائرة التوازن ، وإلى حجمه الطبيعي ، لكي يتأمل ويفكر ، بعيدا عن أي خيلاء أو عجب مهلك ، واستكبار مقيت ..
وقد نصبت له الغايات والنهايات أمام عينيه ، وجعلت الخيار والاختيار إليه .. وقالت له : هذه بدايتك ، وهذه نشأتك ، فلم تستكبر (١)؟! ولم تزهو؟ ولم تطلب ما ليس لك بحق؟! وهل يجوز لك أن تستكبر وتتمرد على من أعطاك القوة ، وخلقك ، ورباك ، ونشأك؟! أليس ذلك يعد خروجا عن مقتضيات فطرتك؟! ..
ثم وجه إليه التهديد بعيدا عن حالة التحدي ، والمواجهة ، وإنما بصورة ترتيب النتائج على مقدماتها ، بعد كشف الواقع أمامه ، وإعادته إلى التوازن ، وإرجاعه إلى حجمه الطبيعي ، وتنفيس الانتفاخات الكاذبة التي كان يرى نفسه فيها ، من خلال إدخاله في حسابات دقيقة ، وتفاصيل لا بد له من وعيها ، مع تعريفه بأن هذه المراحل ليس له هو أي تدخل فيها ، ولم يبذل فيها أي جهد.
ولأجل ذلك ، فإنه يصبح بإمكانه أن يفهم بعمق معنى قوله له : إنه إن أساء الاختيار ، فله السلاسل ، والأغلال ، والسعير .. وبشّره ، إن أحسن الاختيار ، بما يبشر به المؤمنون الأخيار ، والمتقون الأبرار ..
وفي سياق هذه الآيات المباركة ، نلاحظ : أن الله سبحانه قد أغرى
__________________
(١) الاستكبار هو أن يطلب أن يكون كبيرا ، مع أنه فاقد لذلك في الواقع.