لداعيه الذي يغرق صاحبه في الجزع والهوان ، واللائق بصاحب الصبر أن يحاول كي يجعل صبره صبرا جميلا ، وهو الصبر الذي لا شكوى معه ، وإن كان هناك شعور بالألم أو إحساس بالأذى ، ولذلك أمر الله تعالى رسوله بهذا اللون من الصبر ، فقال له في سورة المعارج : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) ، وقد جاء في سورة يوسف ذكر الصبر الجميل مرتين على لسان أحد الأنبياء وهو يعقوب ، وذلك في قوله تعالى : (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ، في الآية الثامنة عشرة ، ثم في الآية الثالثة والثمانين من السورة.
والصبر يكون عميقا مثمرا إذا صار كالطبع للانسان ، وقد يساعد على هذا الفهم أننا نلاحظ في حديث القرآن الكريم عن الصبر أن «مفعول الصبر» يحذف غالبا للدلالة على أنه صار كالطبع للفاعل ، ولم ترد مادة «الصبر» في القرآن مع ذكر مفعول إلا في آية واحدة ، وهي قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ).
وقد نوه رسول الله عليه الصلاة والسّلام بشأن الصبر ومكانته ، فقال : «الصبر ضياء». وقال : «ما أعطي أحد عطاء خيرا له وأوسع من الصبر». كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «خير عيش أدركناه بالصبر».
ولعل القرآن الكريم لم يكثر من ذكر خلق من أخلاقه كما فعل في شأن الصبر ، حتى قال الإمام أحمد : الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعا. وقد كرر القرآن الأمر بالصبر ، فتكررت كلمة «اصبر» تسع عشرة مرة ، كقوله تعالى : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). وقوله : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ). : وقوله : (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) ، وتكررت كلمة «اصبروا» ست مرات كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). وقوله : (فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ولذلك قال العلماء إن الصبر واجب بإجماع الأمة ، ولا عجب فهو نصف