التواضع
كلمة «التواضع» مأخوذة من مادة «وضع» ، وهي تدل على خفض الشيء ، والتواضع في عرف علماء الأخلاق هو لين الجانب ، والبعد عن الاغترار بالنفس ، فكأن المتواضع قد كلّف نفسه أن يضعها دون منزلتها التي تستحقها ، وأن يهضمها حقّها ، ويجنبها الاغترار بذاتها ، ولذلك قالوا إن التواضع هو اللين مع الخلق ، والخضوع للحقّ ، وخفض الجناح ؛ وقال مظفر القرميسيني الصوفي : «التواضع قبول الحق ممن كان ، وذلك بالخضوع له ، والانقياد إليه ، ولو كان من صغير أو جاهل».
ولم ترد كلمة «التواضع» بلفظها في القرآن الكريم ، ولكن وردت كلمات تشير إليها وتدل عليها ، مما يجيز أن نعد «التواضع» خلقا من أخلاق القرآن. فالله تبارك وتعالى يقول في سورة الفرقان : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً). أي يمشون على الأرض هيّنين ، أو يمشون مشيا هينا ، لأن الهون ـ بفتح فسكون ـ هو الرفق والسهولة ، والحديث يقول : أحبب حبيبك هونا ما (١)». ويقول : «المؤمنون هيّنون ليّنون». ويقال : هان الأمر على فلان ، أي سهل ، وفي القرآن الكريم : (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ). وفيه : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).
فقوله تعالى عن الأخيار من عباده : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) أي يمشون
__________________
(١) هونا ما : بدون إسراف أو مبالغة.