بعض الإشارات ، فقد اقترنت صفة الحلم في أغلب هذه الآيات بصفة المغفرة أو العفو ، ويأتي هذا الاقتران في الغالب بعد إشارة سابقة الى خطأ واقع أو تفريط في أمر محمود ، وهذا أمر يتواءم مع الحلم ، لانه تأخير عقوبة ، والعقوبة توحي بوجود أمر يستدعيها.
وكذلك نلاحظ أن عددا من هذه الآيات الكريمة التي وصفت الله سبحانه بالحلم ، قد اقترن فيها ذكر الحلم بالعلم : «وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) ، (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً) ، (وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ). وكأن الحكمة في هذا ـ والله أعلم بمراده ـ هي الإشارة الى أن كمال الحلم يكون مع كمال العلم ، بأمر يجمل معه الحلم من أهل الكمال والجلال والجمال سبحانه ، وفي قول العربي الحكيم : «حلمي أصمّ وأذني غير صمّاء» ، ما يعين على فهم ذلك ، فالحليم يعلم ما يثير أو يغضب ، ولكنه مع ذلك يتمسك بالحلم.
* *
ثم يحدثنا القرآن الكريم بأن الحلم خلق من أخلاق النبوة والرسالة ، فيقول في سورة التوبة عن أبي الأنبياء إبراهيم : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ). ويقول عنه في سورة هود : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ). والأوّاه هو كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس ، وهذا كناية عن فرط ترحمه ورقة قلبه ، والحليم : غير العجول على الانتقام من المسيء اليه ، والمنيب : الراجع الى الله. ويقول القرآن الكريم في سورة هود أيضا على لسان قوم شعيب : (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). ويقول في سورة الصافات متحدثا عن إبراهيم ومشيرا الى ابنه إسماعيل : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ).
والانبياء والرسل هم النماذج العليا بين البشر ، فإذا أخبرنا كتاب الله تعالى بأن الحلم صفة من صفاتهم كان ذلك إشعارا أيّ إشعار بسمو هذه الفضيلة ، ولقد