والباطل ، فيقول في سورة الإسراء : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ، وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ، وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً). أي يزيدهم القرآن خشوعا ، لأنه يزيدهم علما ويقينا بالله تعالى.
كما يجعل القرآن الكريم الخشوع من أخلاق المؤمنين الذين يعرفون الحق فيتبعونه ، ولا يرضون به بديلا ، فيقول في سورة آل عمران : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً : أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
كما يخبرنا كتاب الله العزيز أن الخشوع من أخلاق الأنبياء وآلهم ، فيقول في سورة الأنبياء : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ : رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ ، وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ، وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ، وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ، وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ). وكأن القرآن يريد أن يقول إن الخشوع ثمرته تحقيق المراد ونيل المأمول ، فهو يشعرنا بأن هؤلاء الأكرمين قد نالوا ما نالوه بفضل هذا الخلق العظيم : خلق الخشوع.
* * *
وإذا كان القرآن المجيد قد حدثنا هذا الحديث الواعظ عن خلق الخشوع الحميد ، فإنه إلى جوار ذلك قد حدثنا عن لون من الخشوع تأبى عدالة الله إلا أن تلجىء إليه الأشرار إلجاء ، ليكون إشعارا بذلهم وهوانهم على الله جل جلاله ، فيقول عن المشركين مثلا في سورة القلم : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ). أي يوم يشتد الأمر ، ويصعب الخطب ، لأن كشف الساق كناية عن شدة الهول ، ويدعى هؤلاء المشركون إلى السجود ، فلا يستطيعون لزوال القدرة منهم ، أو لفوات وقت السجود ، ويبدو عليهم خشوع وخضوع يظهران في أبصارهم ، وتلحقهم ذلة وهوان.