الغفلة ، وكان غافلا عن جلال الله وكبريائه ، ثم إن لسانه يتحرك بحكم العادة ، فما أبعد ذلك عن القبول.
وبالجملة فكلّ عاقل يقطع بأن مشاهدة الخواص العظيمة ليس أعمالها الظاهرة ، إلا أن ينضاف إليها مقصود هذه المناجاة ، فدلت هذه الاعتبارات على أن الصلة لا بد فيها من الحضور».
وكذلك تحدث الفقهاء والعلماء عن مصير الصلاة التي تؤدّى بلا خشوع ، ومن بينهم ابن القيم الذي ذكر أن المرء لا يكون له من الثواب على صلاته إلا بقدر ما عقل منها ، وخشع لله فيها ، لأن ابن عباس يقول : «ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها» ولأن الله جل جلاله يقول : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ). ومعنى هذا أن من لم يخشع لم يكن من المفلحين ، ولو كان له ثواب عليها لأفلح.
وأما الاعتداد بها في الدنيا من ناحية سقوط الفرض عن صاحبها فقالوا : إن غلب عليها الخشوع وتعقلها اعتد بها إجماعا ، وتكون النوافل والأذكار بعدها جابرة لما فيها من نقص ، وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها ، فإن فريقا من الفقهاء يوجب إعادتها لأنها صلاة لا يثاب عليها ، ولم يضمن له فيها النجاح أو الفلاح ، فلم تبرأ ذمته منها.
وهذا يذكّرنا بقول الله سبحانه : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أي لا يخشعون فيها. ورضوان الله على حذيفة بن اليمان حين قال : «أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ، وربّ مصلّ لا خير فيه ، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا». ولعل السر في هذا القول هو أن الخشوع أمر باطني لا يراه الناس ، فما أسرع المضيّعين إلى إضاعته ، وأما الصلاة فعبادة بادية للعيان ، فقد يأتيها أناس رياء أو اتقاء ، بلا خشوع ولا اطمئنان.
* *
والقرآن الكريم يجعل الخشوع صفة المؤمنين المتدبرين المميزين بين الحق