ويقول في سورة القمر : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ ، خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ (١) كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ). أي أعرض عن هؤلاء الكافرين الذين لا يفيد فيهم الإنذار ، فإن الداعي سيدعوهم يوم القيامة إلى شيء فظيع لم تعهد مثله النفوس ، وسيخرجون من قبورهم ذليلة أبصارهم خاشعة.
ويقول في سورة النازعات : (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ ، أَبْصارُها خاشِعَةٌ). أي ان قلوب هؤلاء الكافرين ستكون شديدة الاضطراب من الوجيف ، وأبصارهم ستكون ذليلة من الخوف ، وأضاف الأبصار إلى ضمير القلوب في قوله : (أَبْصارُها) لأنه أراد من وجيف القلوب شدة الخوف الواقع بأصحابها ، فهي كناية عنهم.
ويقول في سورة الغاشية : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ، عامِلَةٌ ناصِبَةٌ ، تَصْلى ناراً حامِيَةً). أي هل جاءك خبر الداهية التي تغشى الناس؟ سترى في يومها وجوه الكافرين ذليلة ، تتعب حين تجر سلاسلها ، وتخوض نارها ، فهي تستقر في نار متناهية الحر.
ولنلاحظ أن أغلب استعمالات القرآن للخشوع الحسي الدال على الذل والهوان ، والخوف والحسرة ، قد نسبها إلى الكافرين والمجرمين والفاسقين.
وهناك خشوع حسي مادي آخر تحدث عنه القرآن الكريم ، ليصوّر به عظمة الله وجلاله ، فيقول في سورة طه : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً). أي انخفضت الأصوات لمهابة الله جل جلاله ، فلا تسمع إلا صوتا خفيا ، ويقول في سورة الحشر : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). وإنما يكون هذا التشقق تمثيلا وتخييلا لجلال القرآن وعظمته.
هذا ، ولقد قال سهل : «من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان». وذلك
__________________
(١) الأجداث : جمع جدث ، وهي القبور.