والرهبة ، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات ، ومنهم من جمع بين الأمرين ، وهو الأولى ، فالخاشع في صلاته لا بد أن يحصل له مما يتعلق بالقلب من الأفعال نهاية الخضوع والتذلل للمعبود ، ومن المتروك أن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سوى التعظيم ، ومما يتعلق بالجوارح أن يكون ساكنا مطرقا ناظرا إلى موضع سجوده ، ومن المتروك ألا يتلفت يمينا ولا شمالا».
ولقد عني الفقهاء والمفسرون بمسألة الخشوع في الصلاة ، لأن الصلاة مناجاة لله ، وإقبال على حماه ، ولأنها أهم عبادة في دين الله. ولذلك أطالوا الحديث عن وجوب التحلي بفضيلة الخشوع في الصلاة ، واستدلوا على هذا الواجب بأدلة كثيرة منها ، أن الله تعالى يقول : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي). والغفلة تناقض الذكر ، فمن غفل في جميع صلاته لا يكون قد أقام الصلاة لذكر الله تعالى. ومنها أن الله تعالى يقول : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) ، وظاهر هذا النهي هو التحريم ، ومنها أيضا أن الله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) ، والغافل غير الخاشع لن يعرف معنى ما يقوله في الصلاة ، لأنه منصرف عنه مشغول بسواه.
ومنها أن الرسول صلىاللهعليهوسلم يقول :
«إنما الخشوع لمن تمسكن وتواضع». ولا يتحقق التمسكن والتواضع مع الغفلة. ومنها أن الرسول يقول : «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا». وصلاة الغافل لن تمنعه عن الفحشاء والمنكر. ومنها أيضا أن النبي قال : «كم من قائم حظّه من قيامه التعب والنّصب». وهو يعني بذلك الغافل في الصلاة. ومنها أنه قال : «ليس لعبد من صلاته إلا ما عقل» والغافل لا يعقل صلاته.
ونرى صاحب «مفاتيح الغيب» يد لي بدلوه في هذا الموضوع ثم يعقب قائلا : «ولا شك أن المقصود من القراءة والأذكار : الحمد والثناء والتضرع والدعاء ، والمخاطب هو الله تعالى ، فإذا كان القلب محجوبا بحجاب أخلاق القرآن (١٢)