هو البارّ الحقيقي ، الذي لا يترك الحقّ لأجل شهوة ، ولا لما يعرض له في معاملاته مع الخلق من خوف وخشية.
هذا أثر صلاة الخاشعين بالإجمال ، ولذلك قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ). ثم وصف الخاشعين وصفا يناسب المقام ، ويظهر وجه الاستعانة به فقال : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، أي الذين يتوقعون لقاء الله تعالى يوم الحساب والجزاء ، وأنهم إليه راجعون بعد البعث ، لا مرجع لهم إلى غيره».
ومن المواطن التي تستلفت الأنظار وتثير الاعتبار أن القرآن جعل الخشوع في الصلاة أول صفة يذكرها لعباده المؤمنين المفلحين ، ثم يذكر بعدها جملة صفات ذات شأن ومكانة ، فيقول : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) أي قد فازوا بمأمولهم عند ربهم ، لأنهم خائفون متذللون لله ، مخلصون في الاتجاه إلى حماه ، والخشوع في الصلاة يتحقق ـ كما أشار ابن كثير ـ لمن فرغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحينئذ تكون له راحة وقرة عين ، والرسول عليه الصلاة والسّلام يقول : «وجعلت قرة عيني في الصلاة». وكان إذا اشتد به أمر يقول لبلال مشيرا إلى الصلاة : «أرحنا بها يا بلال».
ولقد اختلف العلماء في تحديد الخشوع المطلوب في الصلاة : أهو الشعور الداخلي القلبي المسيطر ، المولّد للخوف والرهبة والهيبة من الله ، أم هو السكون الخارجي الذي يظهر في تطامن الأعضاء وانقطاع حركتها أثناء الصلاة؟. والصواب أن الخشوع يشمل الأمرين معا ، فهو فضيلة منبثقة من داخل الإنسان ، تتمثل في آثار تظهر على الأعضاء ، ولذلك يقول المفسر الرازي : «واختلفوا في الخشوع ، فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف