والعلماء الخبراء بطبائع النفوس ومنازع الخصال يجعلون الخشوع درجات ، فالدرجة الأولى منه هي خشوع الامتثال لأمر الله تعالى ، والافتقار إلى هداه ، والرضا بقضائه ، مع الاستسلام لأحكامه وتقبلها بالتنفيذ ، مع استحضار جلال الله وعظمته ومراقبته.
والدرجة التي تليها هي خشوع الهيبة والخوف من وقوع الإنسان في نقص أو ذنب أو تفريط ، أو قلة توفيق في بلوغ المأمول من رضا الله سبحانه.
والدرجة الثالثة هي تصفية النفس من شوائب الرياء ، مع إخلاص العمل كله لله ، والإقرار بالفضل على كل حال لله ، فإذا أفلح المؤمن في تحقيق ذلك كاملا بلغ من الخشوع غايته ومنتهاه.
* *
ونجلس إلى مائدة القرآن ليحدّثنا عن الخشوع والخاشعين ، فنجده يخبرنا بأن الخشوع صفة أساسية من صفات المسلم المؤمن ، فذلك حيث يقول في سورة الأحزاب : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ ، وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ ، وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ ، وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ ، وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ ، وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ ، وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ ، وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً). ويراد بالخاشعين في الآية ـ كما ذكر المفسرون ـ أولئك الذين يتواضعون لله تعالى بقلوبهم وجوارحهم.
ويعود القرآن الكريم إلى الحديث عن الخشوع في لون من التعريض بالذين يفرّطون في أمره ، أو يقصّرون في شأنه ، فيقول في سورة الحديد : «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ، وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ