على الأعضاء ، ولذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم عمن عبث بلحيته في صلاته : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه». ولقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يطأطىء رقبته في الصلاة تخشعا ، فقال له : «يا صاحب الرقبة ، ارفع رقبتك ، ليس الخشوع في الرقاب». وزاد حذيفة بن اليمان هذه التفرقة بين الخشوع والتخشع إيضاحا حين قال : «إياكم وخشوع النفاق ، وهو أن ترى الجسد خاشعا ، والقلب ليس بخاشع».
وكأن معنى هذا أنه لا ارتباط بين الخشوع والتماوت في الحركة ، فقد يكون الإنسان مقبلا على عمله ، جادّا فيه ، سريع الخطوة ، بادي النشاط ، ومع ذلك يظل قلبه خاشعا خاضعا ، منقادا لله ، متقيدا بالحق ، ولقد رأت الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضوان الله عليهما شبابا يتماوتون في مشيتهم ، ويقال عنهم إنهم نسّاك ، فقالت : «كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع ، وإذا قال أسمع ، وإذا ضرب أوجع ، وإذا أطعم أشبع ، وكان هو الناسك حقا». ويؤكد القرطبي هذا حين يورد في تفسيره هذا التعبير عن عمر : «كان عمر ناسكا صدقا ، وخاشعا حقا».
ويروي لنا سفيان الثوري عن نفسه ما يلي : «سألت الأعمش عن الخشوع ، فقال : يا ثوري ، أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع؟ سألت إبراهيم النخعي عن الخشوع فقال لي : يا أعيمش ، تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع؟ ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطؤ الرأس ، لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء ، وتخشع لله في كل فرض افترضه عليك».
وبهذا ندرك أن الخاشع الصادق لا بد أن يكون صاحب إيمان عميق ويقين راسخ ، غير متأثر بالأهواء أو الرغبات ، بل الحقّ طلبته ، والله الحق غايته ، فلا عجب بعد هذا إذا جعل القرآن الكريم صفة الخشوع في منزلة التقدير والتوقير ، فإنه بلا ريب من مكارم الأخلاق.
* *