ولقد ذكر بعض المفسرين عند تعرضه لتفسير الآيات السابقة أن كمال الانسان في هذه الحياة يتحقق بأمرين : أولهما العلم الصحيح ، والآخر العمل الصالح ، ورأس العلم الصحيح هو معرفة الله تعالى ، ورأس العمل الصالح هو الاستقامة ، أي الدوام على حالة «الوسطية» التي لا إفراط فيها ولا تفريط.
ولقد جاء في بعض الروايات أن هذه الآيات نزلت في شأن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، لأنه وقع في أنواع شديدة من البلاء والمحنة ، ولم يتغير ألبتة عن دينه ، فهو الذي قال : ربنا الله ، وبقي مستقيما لم يتغير لسبب من الأسباب ، وإذا صحت هذه الرواية فإنها لا تمنع أن تكون الآيات شاملة كل من استقام على الإيمان ، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول العلماء.
* * *
ويقول القرآن الكريم في سورة الجن : (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) (١). أي لو اعتدلوا وساروا على الطريقة المثلى لأسقيناهم الغيث الكثير ، وهذا السقي كناية عن الإنعام عليهم.
وكذلك يقول : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ). ويعود القرآن بعد ما ذكره في سورة هود من مطالبة النبي وأتباعه بالاستقامة ، فيقول في سورة الشورى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ، وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ، اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ ، لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ ، لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ ، اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
ولقد استجاب سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفضل استجابة لهذا الأمر الإلهي ، فكان رسول الله هو المثل الأعلى في الاستقامة ، استقام في حسه ونفسه ، وفي قوله وعمله ، وفي ظاهره وباطنه ، وفي أمره كله. وبعد أن
__________________
(١) غدقا : كثيرا غزيرا.