ضرب القدوة السامية في الاستقامة لأتباعه ، أخذ يحثهم على الاقتداء به ، والسير على سنته ، فقد روت السنة أن سفيان بن عبد الله قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. فقال له : قل آمنت بالله ثم استقم.
وقد ذكر العلماء للاستقامة في هذا الحديث معنيين : أولهما المداومة على ترك الشّرك ، والآخر المداومة على الطاعة ، ولو تدبرنا المعنيين لوجدناهما يكمل أحدهما الآخر ويقتضيه ، لأن من داوم على ترك الشرك فقد داوم على الإيمان بالله الواحد الأحد ، ومن أخلص في إيمانه بالله الواحد الأحد داوم على طاعته ، فالاستقامة هنا صفة بعضها سلبي وبعضها إيجابي ، فالسلبي فيها هو البعد عن الاشراك ، والإيجابي منها هو استمرار طاعة الله عزوجل.
* * *
ولقد تكلم الصوفية عن الاستقامة ، ومما قالوه فيها ما روي عن حاتم الأصم : «من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله ، أولها الثقة بالله ، ثم التوكل ، ثم الإخلاص ، ثم المعرفة ، والأشياء كلها تتم بالمعرفة».
فليمض المؤمن المستقيم في طريقه ، جاعلا نصب عينيه على الدوام قول ربه عزوجل : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها : لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ : ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). صدق الله العظيم.