من شاء من هؤلاء أن يستقيم : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).
وما دام تحقيق الاستقامة المثالية أمرا شاقا متعبا صعبا ، فلا بد أن يكون الثواب عليه جزيلا عظيما ، وقد تكفل القرآن الكريم بتجلية هذا الثواب الجليل حينما قال في سورة فصلت : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ، ثُمَّ اسْتَقامُوا ، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (١) ، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ : إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
ولنلاحظ معا أن الآيات الكريمة قد جمعت لنا بين مفتاح الطريق إلى الاستقامة ، والواجب على أهل الاستقامة ، والثواب العظيم الذي ينتظره أهل الاستقامة في الدنيا وفي الآخرة ، فهي قد دلتنا على أن مفتاح باب الاستقامة هو الايمان بالله ، والدخول في الاسلام ، والعمل بأوامره وتعاليمه ، والدعوة إليه ، فذكرت أن أهل الاستقامة هم الذين قالوا : ربنا الله ، وهم الذين التزموا الصراط المستقيم ، وهم الذين دعوا إلى صراط ربهم ، وهم الذين عملوا الصالحات ، وهم الذين اعتزوا بأنهم من عباد الله المسلمين.
وذكرت لنا الآية ثواب هذه الفضائل التي يتحلى بها المستقيمون ، وهذا الثواب هو أن الملائكة تتنزل عليهم لتخبرهم بأن شأنهم ألا يخافوا ولا يحزنوا ، ولتخبرهم ببشرى دخولهم الجنة ، ولتخبرهم بالولاية الالهية لهم في الدنيا والآخرة ، ولتخبرهم بأن لهم من الله ما تشتهي أنفسهم وما يدّعون في جنات النعيم.
ولا ريب في أن هذا حث قوي وتحريض بليغ على الاتجاه إلى فضيلة الاستقامة والاستمساك بها.
__________________
(١) ما تدعون : أي تريدون أو تطلبون. ونزلا : أي منزلا وضيافة.