منها ، والاستعانة على تحقيقها ـ كما ينبغي ـ بما يوصّل إليها من عبادة وتقوى.
ولقد فسر الإمام جعفر الصادق كلمة (فَاسْتَقِمْ) في الآية بقوله : «افتقر إلى الله بصحة العزم» يعني الوثوق به والتوكل عليه ، والالتجاء إليه. وإذا وجدت العزيمة في نفس الانسان ، وتبعتها مواصلة الخطوات على طريق الحق والعدل ، كان بلوغ القصد ميسورا بفضل الله وعونه ، ولذلك قال الامام علي رضي الله عنه : «من سلك الطريق الواضح ورد الماء ، ومن خالف وقع في التّيه». والظاهر أن الامام رضوان الله عليه قد قصد بالطريق الواضح الصراط المستقيم الذي ذكره الله عزوجل في كتابه مرات كثيرة ، والذي جعله الله سبحانه مطلبا للمؤمنين ، يرجون ربهم في تحقيقه لهم ، فيدعونه بذلك في كل ركعة من صلواتهم حينما يقولون : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).
* *
وإذا كان الانسان محتاجا ـ دون شك ـ إلى دليل يدله على طريق الاستقامة وإلى رائد يروده على ذلك الطريق ، فإن خير دليل وأصدق رائد في هذا المجال هو كتاب الله الذي يقول في شأنه رب العزة : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) فالآية تخبرنا ـ وهي قول أصدق القائلين ـ بأن كتاب الله تعالى يهدي إلى الحالة التي هي أقوم الحالات ، وإلى الطريقة التي هي أعدل الطرق ، وهي طريقة الايمان بالله ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، والايمان برسله ، والعمل بطاعته.
وقد أكّد الله تبارك وتعالى لعباده هذا المعنى حين قال عن كتابه : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ، لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ). فهذا القرآن بيان وهداية للناس جميعا ، إذا أرادوا الهداية والرشاد ، وإنما ينتفع بهداية القرآن الكريم