بالواجبات ، وتقيدا بالحدود ، فإن ضد الاستقامة يكون هو الطغيان ، وقد استدلوا على ذلك بقول الله عز من قائل : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). وكلمة (فَاسْتَقِمْ) في هذه الآية الكريمة كلمة جامعة ، تشمل العقيدة والعمل والقول والسلوك ، فالله جل جلاله يطلب إلى نبيه صلوات الله وسلامه عليه ، ومن ورائه أتباعه ، أن يكونوا معتدلين مستقيمين على الصراط ، بحيث لا يميل الانسان إلى أحد الجانبين قيد شعرة ، ولا شك أن هذا الاعتدال ليس بالأمر السهل أو اليسير ، بل يحتاج إلى مجاهدة ومعاناة ، ولذلك ذكر بعض المفسرين للآية أن تحقيق الاستقامة المطلوبة هنا أمر صعب ، والبقاء عليه مع العمل بمقتضاه أشدّ وأصعب ، وهذا هو عبد الله بن عباس رضوان الله عليهما يقول : «ما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم آية أشد ولا أشق عليه من هذه الآية» ، ولعل هذا يذكّرنا بقول الرسول عليه الصلاة والسّلام : «شيبتني هود وأخواتها».
ويروي بعض الصالحين أنه رأى النبي في النوم ، فقال : يا رسول الله ، روي عنك أنك قلت : شيبتني هود وأخواتها. قال النبي : نعم. فقال الرجل : وبأي آية؟. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله : «فاستقم كما أمرت» ...
* *
وإذا كان تحقيق الاستقامة المثالية أمرا صعبا وشاقا ، فإن هذا لا يسوّغ التقاعس عن طلب الاستقامة ، بل واجب الانسان المؤمن أن يتلمس إليها الوسائل ، وأن يتابع نحوها الخطوات ، وأن يستعين على ذلك بالطاعات والقربات ، وقد أشار إلى ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه حين قال :
«استقيموا ولا تحصوا : واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مسلم». ونفي الاحصاء في هذا الحديث يراد به عدم الاطاقة لتحقيق كمال الاستقامة عند كل الناس ، فلا أقل من السعي نحوها ، ومحاولة القرب