فوق درجة الخوف ، وإن قربت منها واتصلت بها.
وأما الرهبة فهي الإمعان في الهروب من المكروه ، ولذلك قيل إن الرهب والهرب بينهما تناسب في اللفظ والمعنى ، وتناسب اللفظ يأتي من ناحية الاشتقاق الأكبر ، وكل لفظين شملهما هذا الاشتقاق يكون بينهما اشتراك في المعنى العام.
وأما الوجل فهو رجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته ، والهيبة خوف يقارن التعظيم والإجلال ، وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة ، لأن الإجلال تعظيم مقرون بالحب ، ولذلك قالوا : الهيبة للمحبين والاجلال للمقربين.
والهيبة المقرونة بالحب تذكرنا بما جاء في حديث عمر رضي الله عنه ، وهو قوله : «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه». أي أنه يطيع الله حبّا له لا خوفا من عقابه فقط ، فلو لم يكن هناك عقاب يخافه ما عصى لله ، ففي الكلام محذوف تقديره : لو لم يخف الله لم يعصه ، فكيف وقد خافه؟.
*
والخوف صفة تحتاج الى «الوسطية» أي التوسط والاعتدال ، إذ لا يليق أن يقل الخوف عند الانسان حتى يقرب من درجة الغلظة أو الاستخفاف ، ولا يجوز أن يسرف فيه صاحبه حتى يقرب من اليأس أو القنوط ، والله يقول في سورة الاسراء : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً). ويقول عن بعض أنبيائه في سورة الأنبياء : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ). ويقول عن اخلاق القرآن (١١)