كما أن صدق الخوف في نفس المؤمن يجعله مالكا لمفتاح السعادة الأبدية التي ليس بعدها سعادة ، وهي الفوز برضى الله تعالى ونعيمه في دار الخلود ، ولقد كان حجة الاسلام بارعا حين صّور ذلك بعبارة بليغة مترابطة الأجزاء متوالية الخطوات على هذا النحو : «لا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه ، فكل ما أعان عليه فله فضيلة ، وفضيلته بقدر غايته ، وقد ظهر أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلا بتحصيل محبته ، والأنس به في الدنيا ، ولا تحصل المحبة إلا بالمعرفة ، ولا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر ، ولا يحصل الأنس إلا بالمحبة ودوام الذكر ، ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر إلا بانقطاع حب الدنيا من القلب ، ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها ، ولا يمكن ترك المشتهيات إلا بقمع الشهوات ، ولا تنقمع الشهوة بشيء كما تنقمع بنار الخوف».
وإذا واصلنا قراءاتنا في كتب السلف فيما يتصل بالخوف وجدنا جملة ألفاظ متقاربة ، وإن لم تكن مترادفة ، ومنها : الخوف ، والخشية ، والرهبة ، والوجل ، والهيبة ، وقد قالوا في التفرقة الدقيقة بينها إن الخوف هرب من حلول المكروه عند استشعاره ، وهو لعامة المؤمنين ، وصاحبه يلتجىء إلى الهرب والامساك. والخشية أخص من الخوف ، وهي للعلماء العارفين بالله ، المشار اليهم بقوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ، وصاحب الخشية يلتجىء إلى الاعتصام بالله ، وعلى قدر العلم تكون الخشية ، ولذلك قال سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسّلام «إني لأعلمكم بالله وأشدّكم له خشية».
وقد فرقوا بين الخوف والخشية ، فقالوا إن الخوف خشية سببها ذلّ الخاشي ، وإن الخشية خوف سببه عظمة المخشيّ ، ولذلك كان العلماء بالله أكثر خشية ، لأنهم عرفوا عظمة الله فخافوه ، لا لذل منهم ، بل لعظمة جانب الله. والعبد إذا نظر الى نفسه وجدها في غاية الضعف ، فيشعر بالخوف ، وإذا نظر الى حضرة الله تعالى رآها في غاية العظمة فيشعر بالخشية ، ودرجة الخشية