وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». وكذلك يقول الحق جل جلاله : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ، الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ، وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ).
وليتذكر المؤمن المتحلي بفضيلة الخوف من ربه أن سيد الخلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان أشدّ المؤمنين خوفا من الله ، وهيبة له ، وخشية من جلاله ، مع أنه المغفور له من ربه ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهو القائل : «شيّبتني هود وأخواتها : سورة الواقعة ، وإذا الشمس كورت ، وعم يتساءلون». وقد ذكر العلماء أن سبب ذلك ـ والله أعلم ـ يرجع الى ما في سورة هود من تكرار الإبعاد. كقوله تعالى : (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ). وقوله : (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ). وقوله : (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ).
ولأن سورة الواقعة جاء فيها قوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ، خافِضَةٌ رافِعَةٌ) ، ولأن سورة التكوير جاء فيها تصوير لأهوال يوم القيامة ، كما في قوله تعالى : (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ). ولأن سورة النبأ «عم يتساءلون» فيها قوله تعالى : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً). وقوله : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً).
* * *
ولا شك أن يقظة الخوف في نفس المؤمن تثمر عنده تجنّبه الشهوات وابتعاده عن الآثام ، ولعل هذا هو ما قصده العلماء بقولهم إن الخوف المحمود الصادق هو ما منع صاحبه محارم الله عزوجل ، ومن هنا قال إبراهيم بن سفيان : «إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها ، وطرد الدنيا عنها». وقال ذو النون : «الناس على الطريق (أي مستقيمون عليه) ما لم يزل عنهم الخوف ، فإذا زال عنهم الخوف ضلّوا الطريق».