العبودية في فهمهم إيمان عميق ، وفهم دقيق ، وارتباط بالله وثيق ، ووفاء لا يخالطه ضعف ، وإسلام لله لا يخالطه إعراض ، وإزهاق للنزوات والرغبات ، مع إحياء للاجتهاد في القربات والطاعات ، ولذلك يقول أبو العباس السياري الصوفي : «العبودية معرفة المعبود ، والقيام بالعهود». ويقول الحارث المحاسبي : «صفة العبودية ألا ترى لنفسك ملكا ، وتعلم أنك لا تملك لنفسك ضرا ولا نفعا».
ولقد سئل أبو حفص النيسابوري عن العبودية ، فقال : «ترك الذي لك ، والتزام ما أمرت به». ويقول أحمد بن خضرويه البلخي : «في الحرية تمام العبودية ، وفي تحقيق العبودية تمام الحرية». وهذه العبارة تذكر في بيتين للمرحوم عبد الوهاب عزام ـ وكان صاحب ذوق صوفي ـ يقول فيهما :
قيّد الحرّ نفسه بهداه |
|
وأبى في الحياة قيد سواه |
وترى العبد راضيا كلّ قيد |
|
غير تقييد نفسه عن هواه |
ويقول محمد بن علي الترمذي : «من جهل أوصاف العبودية فهو بنعوت الربوبية أجهل». ثم يقبل علينا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المغربي ، الذي كان أستاذا للخواص وإبراهيم بن شيبان ، والذي مات سنة تسع وتسعين ومائتين. يقبل علينا أبو عبد الله ليحدثنا عن العبودية في فهمه حديثا فيه دقة وعمق ، فيقول : «من ادعى العبودية وله مراد باق فيه فهو كاذب في دعواه ، إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته ، وقام بمراد سيده ، يكون اسمه ما سمّي به ، ونعته ما حلّي به ، إذا سمّي باسم أجاب عن العبودية ، فلا اسم له ولا وسم ، لا يجيب إلا لمن يدعوه بعبودية سيده».
يقول أبو عبد الله هذا ، ثم يبكي ويقول :
لا تدعني إلا «بيا عبدها» |
|
فإنها أصدق أسمائي!! |
* *
وبعد ، فان القرآن الكريم يدعونا إلى إخلاص العبودية لله رب العالمين ،